بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور…….. متلازمة الفقر والبطالة

بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور……..  متلازمة الفقر والبطالة

بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور……..

متلازمة الفقر والبطالة

……

الترابط الوثيق بين ظاهرتي الفقر والبطالة يكاد لا يخفى على أحد، فهما بمثابة السبب والنتيجة ومن المتعارف عليه أن الفقر ظاهرة لا يكاد يخلو منها المجتمع في مختلف انحاء العالم وان كان هناك تفاوت في حجمها وطبيعتها والفئات التي تعاني منها.

ومحلياً تشير الإحصاءات الرسمية الى أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر كانت تبلغ 15.7% في عام 2018، وكان البنك الدولي قد توقع في عام 2020 أن تؤدي الاغلاقات والتباطؤ الاقتصادي واضطرابات التجارة وتراجع حوالات العاملين الى زيادة معدلات الفقر في الاردن بما يعادل 11 نقطة مئوية(11%)، وأظهر مسح نفقات ودخل الأسرة للعام 2010 ارتفاع نسبة الفقر الى 14.4 % مقارنة مع ما نسبته 13.3 % العام 2008، وهناك بعض المصادر غير الرسمية تشير الى أن نسبة الفقر أعلى من النسب المعلنة رسمياً وقد تصل الى الضعف، علماً انه وحتى الان لا يتوفر تحديث رسمي لنسبة الفقر خلال العشرية الثالثة من القرن الحالي، أما نسبة البطالة فقد بلغت خلال الربع الثاني من هذا العام 22.3% وترتفع بين الشباب حسب تقرير البنك الدولي لتصل الى 52%.

وعادة ما يؤدي تفشي الفقر والبطالة الى انعكاسات اجتماعية واقتصادية تؤثر سلباً على المجتمع بما فيها انتشار الجريمة والانحراف والتسرب من المدارس وتراجع المستوى الصحي والثقافي لبعض الفئات وتراجع الاهتمام بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية وغيرها من الظواهر التي تمثل خطراً على استقرار المجتمع وقدرته على تنمية افراده ومشاركتهم في التنمية الاقتصادية.

وقد ساهمت الاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة وما رافقها من موجات لجوء في زيادة الضغوط على البنية التحتية والخدمات الاساسية وفي تفشي ظاهرتي الفقر والبطالة هذا بالإضافة الى تواضع معدلات النمو الاقتصادي الذي أدى الى عدم قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل تتناسب مع حجم القوى البشرية التي تدخل سوق العمل وكذلك عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل.

وقد بات من الواضح أن القطاع العام لم يعد قادراً على استيعاب مزيد من الخريجين الجدد، كما أن قدرته على انشاء مشاريع رأسمالية واستثمارية مولدة لفرص العمل تتراجع بفعل الأعباء التي تعاني منها المالية العامة بما فيها تصاعد الانفاق الجاري وارتفاع فوائد الدين العام التي بلغت خلال العام الماضي أكثر من 1.4 مليار دينار وارتفعت العام الحالي الى 1.7 مليار دينار، وخصص لها 1.98 مليار دينار في موازنة العام القادم، وقد أشار تقرير للبنك الدولي الى إنَّ الإقصاء من سوق العمل هو السبب الرئيسي للفقر والحرمان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأقترح اتخاذ عدد من الخطوات لجعل أنظمة الحماية الاجتماعية أكثر شمولاً وكفاءةً.

وفي هذا السياق من المهم الإشارة الى تأكيد جلالة الملك حفظه الله أن الحماية الاجتماعية أولوية تحتاج إلى تضافر جهود الجميع والعمل بروح الفريق، مع أهمية مشاركة مؤسسات الحماية الاجتماعية في القطاعين العام والخاص وأصحاب الخبرة والاختصاص في هذا الجهد، وحدد جلالته الهدف من الحماية الاجتماعية بالحفاظ على كرامة الإنسان الأردني، مع التأكيد على ضرورة توفير أدوات وبرامج حماية أكثر شمولية وموسعة، لتساعد الفئات الفقيرة لتصبح منتجة وناشطة اقتصاديا.

ومن الملاحظ أن ما يتم تخصيصه في الموازنة العامة لعدد من برامج الحماية الاجتماعية يزداد عاماً بعد اخر، فقد أرتفع بند دعم السلع الغذائية والاستراتيجية من 257 مليون دينار العام الحالي الى 288 مليون دينار في موازنة العام القادم ومن المتوقع أن يرتفع الى 355 مليون دينار في السنوات اللاحقة، أما المعونة النقدية المتكررة فقد ارتفعت من 244 مليون دينار الى 262 مليون دينار في موازنة العام القادم لتصل في السنوات اللاحقة الى 280 مليون دينار، كما تم زيادة بند المعالجات والاعفاءات الطبية من حوالي 78 مليون دينار خلال العام الماضي الى 107 مليون دينار في موازنة العام القادم.

وبالرغم من أهمية وضرورة البرامج والإجراءات الموجهة للتعامل مع ظاهرة الفقر بشكل مباشر، الا أن تلازم الفقر والبطالة يفترض بنا التفكير بحلول مبتكرة وغير تقليدية وضمن إطار من الفهم والادراك العميق للأسباب الكامنة والفرص المتاحة، مع الالتزام بالاستمرارية ووضع معايير قابلة للقياس يتم بناء عليها تحديد المسؤوليات ومعالجة الثغرات والاخفاقات.

وقد أثبتت العديد من التجارب أن التعامل مع هذه المصاعب لا بد أن يتم في سياق السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية عبر زيادة نسب النمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني ومعالجة مصاعب المالية العامة بما فيها عجز الموازنة واعباء المديونية وتشجيع الابتكار وتعزيز منظمات المجتمع المدني وإيجاد الية لتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص وتحسين اليات توجيه الدعم للمستحقين وبذل العناية اللازمة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع التأكيد بان النزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة تعتبر مقومات اساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.