هل تجاوزت المسيحية فعلاً تاريخها الطّويل من الخلاف والصّراع؟ وكيف صارت الكنيسة كنيستين؟ (1)

هل تجاوزت المسيحية فعلاً تاريخها الطّويل من الخلاف والصّراع؟ وكيف صارت الكنيسة كنيستين؟ (1)

هل تجاوزت المسيحية فعلاً تاريخها الطّويل من الخلاف والصّراع؟ وكيف صارت الكنيسة كنيستين؟ (1)

رائد الاعمال المفكر العربي حسن اسيمك …

مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، شاع حديث عن أنها حرب دينية في مستوى من المستويات، وكانت المرة الأولى منذ عقود التي يجري فيها الحديث عن حرب مسيحية–مسيحية. قبل هذه الحرب بأعوام قليلة، وتحديداً عام 2017، نشر مركز بيو للأبحاث نتائج بحث أجراه، وكان العنوان “بعد خمسة قرون من الإصلاح، تلاشى الانقسام الكاثوليكي البروتستانتي في أوروبا الغربية”، وجاء في الافتتاحية: “في مختلف أنحاء القارة التي شهدت ذات يوم حروباً دينية طويلة ودموية، يُعرب كلٌّ من البروتستانت والكاثوليك الآن بأغلبية ساحقة عن استعدادهم لقبول بعضهم بعضاً كجيران، بل وحتى كأفراد في الأسرة».

فهل هذا الأمر صحيح فعلاً، وهل يمكن بعد الحروب الطويلة والصراعات الدامية، والضحايا والأحقاد والضغائن، العودة إلى السلام والتآخي والعيش المشترك؟

هل انتهت الحروب فعلاً بين المسيحيين إلى غير عودة؟ أم أن هنالك ناراً ما زالت – رغم تراكم الرماد – قابلة للاشتعال؟ وهل يمكن اعتبار الحرب الحالية بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب من ورائها، من جهة أخرى، حرباً دينية بمعنى من المعاني، سواء بين الكنيستين الأرثوذوكسيتين الروسية والأوكرانية، أم بين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية وتلك الغربية البروتستانتية/الكاثوليكية؟

ستقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة بحثاً مطولاً، وتأسيساً تاريخياً، ومن الصعوبة أن نستعرضه كله في مقالة واحدة من دون أن يتحول الإيجاز إلى اجتزاء أو اختزال، لذلك كان من الأفضل تقسيمه إلى أجزاء تُنشر تباعاً. فالمسيحية تعدُّ اليوم الديانة الأكثر انتشاراً في العالم، مع أكثر من 2.4 مليار متبع. لكن الحديث عنها يبدأ منذ نحو 2024 عاماً، عندما ولد في بيت لحم الفلسطينية – بحسب الأدبيات المسيحية – طفلٌ لأسرة متواضعة ودعوه “يسوع”.

لنستشرف المستقبل لا بد من قراءة التاريخ

قليل وصل إلينا عن حياة “يسوع”، حتى في المراجع المسيحية ذاتها، وكل التركيز ينصبّ على السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، والتي ظهر فيها كمبشر وواعظ في مختلف أرجاء فلسطين القديمة، مدنها وبلداتها. يعرف أتباع يسوع الأوائل عند المسيحيين باسم “الرسل”، وهم الحواريون بحسب التقليد الإسلامي، اثنا عشر رجلاً اختارهم يسوع بنفسه، رافقوه في جولاته، تعلموا منه، ونشروا من بعده هذه التعاليم في بقاع كثيرة من الأرض.

من بين هؤلاء التلاميذ متى ولوقا ويوحنا الذين كتبوا ثلاثة من الأناجيل الأربعة الرئيسة التي يتكون منها العهد الجديد، والتي تروي قصة حياة “يسوع”، ورحلته التبشيرية وعذاباته.

وفي الحديث عن تلاميذ المسيح لا بدَّ من المرور على “بولس” الذي كان اسمه شاول الطرسوسي نسبة إلى مسقط رأسه طرسوس، الواقعة ضمن الأقاليم السورية الشمالية التي أُخضعت لتركيا بموجب معاهدة سيفر.

يعد بولس بلا شك إحدى أهم الشخصيات في تاريخ العالم المسيحي/الغربي. مجرد نظرة سريعة على عناوين حياته تكفي لفهم تأثيره؛ أعماله هي من أقدم الوثائق المسيحية التي وصلتنا، فقد كتب 13 من أصل 27 سفراً يتكون منها العهد الجديد، وسفر أعمال الرسل، مخصص للحديث عن أعماله التبشيرية بالدرجة الأولى. ويرجع كثيرون الفضل له بتحويل المسيحية من طائفة يهودية صغيرة إلى عقيدة عالمية منفتحة للجميع.

واجهت المسيحية الكثير من الاضطهاد في القرن الأول، فقد كانت الإمبراطورية الرومانية المتسيدة في ذاك الزمان دولة وثنية، وكانت المسيحية تعدُّ ديانة غير قانونية. فوُوجِه المسيحيون الأوائل، ومن بينهم تلاميذ المسيح، بالاضطهاد الشديد من السلطات الرومانية، بما في ذلك التعذيب والإعدام. ومع ذلك، لم تتمكن الإمبراطورية من وقف انتشار المسيحية. في الواقع، ربما زادت الاضطهادات من الاهتمام بالمسيحية، وجذبت المزيد من الناس إلى الكنيسة، بخاصة أن رسالة المسيحية كانت على المحبة والرحمة ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وهي رسالة جذابة للناس من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. بالإضافة إلى تأكيد أهمية الأمل، فقد وعد يسوع أتباعه بالحياة الأبدية، وهذا الأمل كان مصدراً للقوة والإلهام للكثيرين.

في القرن الثاني الميلادي بدأت المسيحية بالظهور ظهوراً أوضح وأوسع كمنظومة عقدية متكاملة ومتمايزة عن اليهودية، كما زاد التواصل بين الكنائس المتفرقة في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية التي أسسها أتباع المسيح، وربما لعب الاضطهاد الروماني لهم دوراً مركزياً في لحمتهم وتعاضدهم، فقد ظلت الكنيسة تعاني، وبخاصة في عهد الأباطرة الرومان المستبدين مثل نيرون (54–68)، ودوميتيان (81–96)، ودقلديانوس (284–305).

قسطنطين الكبير: مسيحي تقي أم براغماتي؟

من المعروف أن عصر اضطهاد المسيحية انتهى على يد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول، والذي بات يعرف بالعظيم أو الكبير. وبالتحديد عندما أصدر “مرسوم ميلانو 313″، الذي أُعلن فيه حياد الإمبراطورية الرومانية عن شؤون العبادة، ونالت فيه الكنيسة الأولى الحرية واعتُرف بها رسمياً. ومن المعروف أن قسطنطين دخل المسيحية على سرير وفاته، حيثُ عمده يوسابيوس النيقوميدي. لكن ما يظلُّ غير معروف، أو غير مؤكد، هو السبب الذي دفع قسطنطين إلى القيام بذلك كله، أو الدافع الأساس وراء تعاطفه مع المسيحية وأتباعها، فيقال إنَّ قسطنطين كان مهتماً بالمسيحية منذ صغره، إذ كانت والدته، هيلانة، مسيحية، ونشأ قسطنطين في بيئة مليئة بالمسيحيين. ويقال أيضاً إن للسياسة دوراً في ذلك، فقد كان قسطنطين يسعى إلى الوحدة داخل الإمبراطورية الرومانية. وكانت المسيحية ديانة متنامية في الإمبراطورية، وكانت تحظى بشعبية، وبخاصة بين الفقراء والطبقات الدنيا. كان قسطنطين يعتقد أن اعترافه بالمسيحية سيساعده على كسب تأييد هذه الفئات.

وأخيراً هناك الجانب العسكري/الأسطوري، ففي عام 312م، خاض قسطنطين الكبير معركة كبرى عند جسر ميلفيو ضد منافسه ماكسينتيوس. وبعد سنوات عديدة، ادعى الأسقف المسيحي يوسابيوس أن الإمبراطور أخبره أنه رأى الصليب المسيحي فوق الشمس، قبل المعركة مباشرة. وتحت الصليب كانت عبارة “بهذه العلامة انتصر”. وقد انتصر بالفعل.

بصرف النظر عن الأسباب، يعد اعتناق قسطنطين المسيحية حدثاً بالغ الأهمية في تاريخ المسيحية، إذ ساعد في انتشارها في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وجعلها الدين السائد في أوروبا. وآذن في الوقت ذاته بتداخل الشأنين الديني والسياسي، هذا التداخل الذي سيؤدي لاحقاً إلى انقسام الكنيسة مراراً.

دينٌ رسميٌّ للإمبراطورية

لم يكن قسطنطين هو من جعل المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، فذلك لم يحدث حتى عام 380 على يد الإمبراطور ثيودوسيوس. لكن اعتناق قسطنطين المسيحية، وهو الإمبراطور القوي، أضفى الشرعية على الدين، وجعل من السهل على المسيحيين الوصول إلى السلطة والنفوذ. أضف إلى ذلك إدراكه – بعقل السياسي – ضرورة تحديد ماهية الإيمان المسيحي بالضبط، لذا دعا إلى عقد ما بات يعرف بـ”مجمع نيقية الأول” عام 325 م، وهو أول المجامع المسكونية (السبعة وفقاً للكنيستين الرومانيّة والبيزنطيّة، والأربعة وفق الكنائس الشرقيّة السريانية والأرمنيّة والقبطية) والذي صاغ الإيمان وقوننه، بعدما انتشر خلاف كبير حول “طبيعة يسوع”، بين آريوس، وهو كاهن عاش في الإسكندرية، يعتقد أن يسوع مخلوق من الله، وأن طبيعته أقل من طبيعة الله. بينما كان ألكسندروس الأول، بابا الإسكندرية، يعتقد أن يسوع هو “ابن الله الأزلي”، وأن طبيعته هي طبيعة الله نفسها.

تغلب رأي ألكسندروس الأول بالاقتراع، ورفض آريوس واثنان من القساوسة التوقيع على قرار المجمع. ونتيجة لذلك، حُرِقت كتب آريوس، وسُمِّي مذهبه بـ”بدعة آريوس”.

ورغم أنَّ هذا المجمع ديني في الظاهر، إلا أن السياسة كانت حاضرة، بل ويعتقد منتقدوه بأنها طغت على الجانب اللاهوتي، وأظن أن كثيرين قرأوا رواية “عزازيل” الشهيرة للكاتب المصري يوسف زيدان، وهي وإن كانت خيالية، إلا أنها مبنية على أحداث واقعية، وانتقاد القس نسطور لمجمع نيقية في الرواية، تعبير عن انتقادات كثيرة لهذا المجمع، تحدثت عن حضور الإمبراطور قسطنطين الطاغي فيه، وتأثيره الكبير على القرارات التي اتُّخذت، وسعيه الواضح إلى تعزيز سلطته على الكنيسة، حيث لم يدعُ كل الأساقفة المسيحيين، فجاءت القرارات انعكاساً لرغباته السياسة أكثر منها تعبيراً عن آراء جموع المسيحيين.

بالطبع، استمرت الخلافات، العقائدية من جهة حول طبيعة المسيح وطبيعة الروح القدس، والبروتوكولية السياسية من جهة أخرى، ولم يعقد أي مجمع مسكوني لاحقاً إلا وحظي بنصيب كبير من الانتقادات والرفض والخلافات، وهذا الموضوع يحتاج وحده لأن تُفرد له صفحات وكتب، فهو شائك للغاية، والوصول فيه إلى نتائج قاطعة أو حاسمة شبه مستحيل، بخاصة أن عامل الزمن لعب ما لعبه من دور في طمس حقائق وإبراز أخرى، بالإضافة إلى أنَّ تاريخ الكنيسة هذا، لا يختلف عن التاريخ بالعموم، أي: يكتبه المنتصرون، ودائماً ما يكون هناك جانب آخر أخفته السردية الرسمية، واندثر شيئاً بعد شيء.

خلقيدونية وطريق تعاظم الانقسام

لكن في هذا السياق لا بد من المرور على المجمع المسكوني الرابع، مجمع خلقيدونية الذي أدى إلى أول انقسام حقيقي وكبير في الكنيسة المسيحية، وأبرز من رفضه ونتائجه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، والتي لا تزال تؤمن بأن المسيح هو شخص واحد في طبيعتين متحدتين، طبيعة إلهية وطبيعة بشرية. لا يزال الانقسام حول المجمع هذا قائماً حتى اليوم، ولم تنجح أي محاولة للتقريب بين الكنائس الخلقيدونية واللاخلقيدونية. لا بل استمرت هوة الخلاف بالتعمق عقداً بعد عقد وقرناً بعد قرن إلى أن حدث الانشقاق العظيم عام 1054.

قبل الحديث عن هذا الانشقاق لا بد من العودة إلى قسطنطين الكبير، فهو لم يعطِ القانونية للدين المسيحي فقط، لكنه أيضاً نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما العاصمة التاريخية إلى مدينة تدعى بيزنطة، جددها وأسماها باسمه فصارت القسطنطينية (مدينة إسطنبول الحالية).

تقع القسطنطينية في موقع استراتيجي على مضيق البوسفور، الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط. هذا الموقع أعطى الإمبراطورية السيطرة على التجارة بين أوروبا وآسيا. كذلك كانت الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت تواجه تهديدات متنامية من الغزاة البرابرة من الشمال والشرق. كان الموقع الدفاعي القوي للقسطنطينية، محاطاً بالماء من ثلاث جهات، يجعلها مركزاً آمناً للحكومة. وفي الوقت ذاته كانت القسطنطينية مدينة جديدة، لم يكن لها تاريخ أو تقاليد رومانية قديمة، ما جعلها مناسبة لتمثيل عهد جديد، بالإضافة إلى أنها عاصمة مناسبة للكنيسة المسيحية فهي أقرب إلى القدس، ومحاطة باليونانيين الذين كانوا أكثر تقبلاً للمسيحية من الرومان.

وهكذا، صارت القسطنطينية عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية، أو ما اصطلح على تسميته “الإمبراطورية البيزنطية”، وبدأ الانقسام يشقُّ طريقه إلى الإمبراطورية الضخمة، ولم يحدث رسمياً إلا في عام 395، بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول. ورغم أن سقوط الدولة الرومانية كان في عام 476، عاشت بيزنطة أكثر من ألف عام إضافي، إلى أن سقطت على يد المسلمين عام 1453.

أُطلقَ على سكان بيزنطة في العالم الإسلامي اسم “الروم”، وهي تسمية اتّخذتها في ما بعد الطوائف المسيحية الشرقية التي تتبع الطقس البيزنطي.

انقسام الإمبراطورية الرومانية وانقسام الكنيسة

بعد هذا الانقسام، بدأت روما الناطقة باللاتينية تدعي التفوق على القسطنطينية الناطقة باليونانية، ونشأت نزاعات حول حدود الكنيسة وسيطرتها.

عندما تفككت الإمبراطورية الغربية في القرن الخامس، غزتها القبائل الجرمانية وحكمتها، وقد أدى هذا إلى ابتعاد التركيبة الاجتماعية والثقافية والسياسية للغرب بسرعة من التركيبة الشرقية. وزادت إعاقة التواصل بين الشرق والغرب لأنه فيما كانت لغة الشرق تميل إلى أن تكون اليونانية، كانت اللاتينية هي لغة الكنيسة في الغرب.

تطور التنافس في المناطق السلافية بين المبشرين اللاتينيين من الغرب والمبشرين البيزنطيين من الشرق. وأصبحت الخلافات حول السلطة أكثر سخونة في القرن الحادي عشر عندما أكدت كنيسة روما أسبقيتها على شقيقاتها الأربع في القسطنطينية وأنطاكيا والإسكندرية والقدس (غالباً لأنها تأسست على يد القديس بطرس والذي كان أكثر التلاميذ قرباً من المسيح، وما لروما من أهمية في العقل الغربي الذي كان يرى أنها أشبه بمركز الكون).

في هذا السياق لا بدَّ من المرور على حدث بالغ الأهمية، ألا وهو محاولة الاغتيال التي تعرض لها البابا ليو الثالث الذي كان أسقف روما وحاكم الولايات البابوية من عام 795 حتى وفاته عام 816. هرب البابا إلى ألمانيا، حيث التقى شارلمان، ملك الجرمان، أو الفرنجة كما كان يسميهم العرب، وطلب مساعدته في استعادة سلطته. وافق شارلمان على ذلك وقاد في العام التالي 800م جيشاً إلى روما، وساعد البابا وثبته على الكرسي البابوي، وفي المقابل قام الأخير بتطويب شارلمان إمبراطوراً رومانياً مقدساً. فظهر شارلمان على أنه الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية، ومساوٍ لإمبراطور القسطنطينية، وظهرت مؤسسة البابوية في روما على أنها صاحبة الحق في منح السلطان الزمني للملوك والأباطرة.

استغل بابا روما هذه السلطة وجمع تحت قيادته كل كنائس الغرب تحت مظلة كنيسة واحدة كاثوليكية (أي جامعة)، مقابل الكنائس الشرقية التي دُعيت أرثوذكسية. وتعود كلمة أُرْثُوذُكْس في أصلها إلى اليونانية، اشتُقّ جزؤها الأوّل من كلمة “أرثوذ” وتعني “الصواب أو “الصحيح” أو “القويم”، وجزؤها الثاني من كلمة دوكسا “doxa” التي تعني “الرأي” أو “الاعتقاد”، وترتبط بكلمة دوكين ومعناها “يُفكر”. وقد استخدم أعضاؤها هذه التسمية لأنها تعني الطريق المستقيم لمجد الله، بعيداً مما اعتبروه أخطاء عُقدية بدأت تظهر في الكنيسة الغربية.

إذاً، كانت التوترات موجودة منذ قرون، لكن الانقسام الفعلي عُيِّن بتاريخ 1054، لأنه في هذا العام حرم بطريرك القسطنطينية مايكل سيرولاريوس ومبعوثو البابا ليو التاسع بعضهم بعضاً كنسياً. وجاءت الغربة التامة بعد قرن ونصف، نتيجة الحروب الصليبية، عندما قام الفرسان المسيحيون بحملات عسكرية ضد المسلمين في القدس، وفي عام 1204 حُوّلت الحملة الصليبية الرابعة لمهاجمة القسطنطينية والاستيلاء عليها بوحشية. قُتل الآلاف من المسيحيين الأرثوذكس، وتم تدنيس الكنائس والأيقونات، ونشأت عداوة لا تنتهي بين الشرق والغرب.

وستتبعها عداوات، وسينقسم المنقسم مرة أخرى، في الغرب الذي كان هائماً في عصور الظلام، قبل الشرق، وستمعن الكنيسة الكاثوليكية في سلطتها وسطوتها على كامل أوروبا، إلى أن يأتي قسٌّ ألماني يدعى مارتن لوثر، ويقول “لا” لما اعتبره فساداً مالياً وأخلاقياً وعقائدياً في الكنيسة.

ثورة هذا القس ونتائجها ستكون موضوع الجزء الثاني من هذه المقالة.

يتبع…