مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية يناقش حول "الدين وكوفيد 19 في فرنسا"

مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية يناقش حول "الدين وكوفيد 19 في فرنسا"

بحضور رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الأستاذ الدكتور حسين أبو رضا نظّم المركز حلقة نقاشية باللغة الإنجليزية، حضوريًا في مركز الأبحاث وعبر منصّة Teams، تحت عنوان “الدّين وكوفيد 19 في فرنسا”، وذلك في إطار التعاون وتبادل الخبرات بين الباحثين اللبنانيين والفرنسيين حول مساهمتهم في الاستجابة لـ Covid-19، مستضيفًا الدكتورة ليتيسيا اتلاني دوالت من معهد البحوث والتنمية الفرنسي للحديث عن الدين وموقعه في الاستجابة من خلال التجربة الفرنسية.
أدار الحلقة النقاشية الدكتور عبد الله محي الدين رئيس مختبر التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مركز الابحاث وعضو الفريق البحثي في مشروع “الانتشار الفيروسي والديناميات الاجتماعية”. وحضر الحلقة النقاشية إضافة إلى مراكز الأبحاث الفرنسية، نخبة من باحثين وأساتذة وطلاب الدراسات العليا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

الدكتور عبد الله محي الدين
بعد الترحيب بالحضور من طلاب وأساتذة، رحّب عضو الفريق البحثي في مشروع “الانتشار الفيروسي والديناميات الاجتماعية” بالأستاذة ليتيسيا اتلاني دوالت، التي تحدّثت عن التجربة الفرنسية في الاستجابة لتحدّيات كوفيدا-19 وموقع الدّين فيها.
وعرّف محي الدين المحاضرة الزائرة “بأنّها عالمة أنثروبولوجيا اجتماعية تُدرّس في جامعتي باريس وكولومبيا، وحاصلة على الميدالية البرونزية من CNRS عن أبحاثها في الأنثروبولوجيا. وكانت كبيرة المستشارين للشؤون الإنسانية في مقر الأمم المتّحدة في نيويورك، وزميلة حقوق الإنسان الزائرة في معهد روزفلت هاوس للسياسات العامة، وأستاذة زائرة في مدرسة ميلمان للصحّة العامّة. وتشغل ليتيسا حالياً، إلى جانب التدريس الجامعي، العديد من المسؤوليات. فهي مديرة البحث في IRD في جامعة باريس، وهي مديرة المركز التعاوني IRD/WHO لأبحاث السياسات والممارسات الصحيّة والإنسانيّة”.
وأشار محي الدين أنّ عمل ليتسيا يركّز على التأثير الاجتماعي للأزمات الصحيّة والإنسانيّة، وعلى صنع وإدارة الاستجابات لهذه الأزمات. ونظرًا لجميع مسؤولياتها وخبراتها، هي الآن عضو في اللجنة التوجيهية لبرنامج Reacting الذي يستند إلى نهج متعدّد التخصّصات، يجمع بين فرق بحثية ومختبرات علمية لإعداد وتنسيق البحوث للتعامل مع تهديدات فيروسية يمكن ان تظهر في المستقبل.
وذكر أنّه خلال فترة انتشار وباء كوفيد-19كانت ليتسيا جزءًا من عملية الاستجابة للتحدّيات التي رافقت الوباء، وذلك من خلال عضويتها في المجلس العلمي الوطني الفرنسي لـ COVID19 المعيّن من قبل الحكومة الفرنسية.
حاليا تشغل منصب مديرة ومؤسّسة معهد Covid-19 Ad Memoriam، الذي يهدف إلى بناء ذاكرة جماعية للوباء من خلال جمع الخبرات الفردية لفهم كيف نجا كل منّا من هذا الوباء، راصدين الدروس ونقاط القوّة المستخلصة بهدف الاستعداد للأزمات المستقبليّة.
وختم الدكتور عبد الله محي الدين مداخلته قائلاً “تعد السنوات الـ 25 الماضية من الخبرة، تجربة فريدة كأكاديمية وكخبيرة في آن، فقد جمعت بين العمل الأكاديمي والممارسة الميدانية لبلورة سياسة صحيّة عالميّة من خلال إدخال البعدين السوسيولوجي والأنثروبولوجي في هذه السياسات والاستجابات في مجتمعات متنوّعة”.

الدكتورة ليتيسيا اتلاني دوالت
بدأت المحاضرة الزائرة حديثها عن دورها في اللجنة الاستشارية التي عيّنها الرئيس ماكرون، والمتعلّقة بوباء كوفيد-19، مشيرة إلى أنّ هذا التعيين، هو من المرّات القليلة إن حصل، لأنثروبولوجيين وعلماء اجتماع ضمن هذا النوع من اللجان لمكافحة كوفيد وغيره من أنواع الوباء. مشيرة إلى عملها في هذه اللجنة منحها فرصة الاطلاع واكتساب المعرفة بشكل أكبر عن الخبرة العلمية في أوقات الأوبئة. محققة استفادة تطال كيفية تحوّل العلوم الاجتماعية إلى أداة يُمكن استخدامها لفهم الجائحة بشكل أوسع.
وأوضحت دوالت أنّ هذه الجائحة أوجدت هذا القطع الأنثروبولوجي في حياة الإنسان، ما حتّم علينا أن نعي ونفهم تردّدات وأثر هذه الجائحة وتأثيراتها على الأشخاص.
وأضافت، كل هذا المسار، دفعها لتأسيس معهد لحفظ ذاكرة الأشخاص خلال هذه الجائحة، رغبة في فهم ماذا يحصل أثناء الصدمة، وكيف تصرّف الناس خلال هذه الفترة، خاصّة أنّ الجائحة أودت بحياة كثيرين.
برأي المحاضرة الزائرة، أهمية هذا العمل والرصد، أنّه يتيح لنا التعلّم ممّا حصل للمستقبل، دون أن ننتظر كتابات تاريخية حول الموضوع.
الذي يجب أن يحصل برأي دوالت، هو أن نجمع معطيات أساسية، تُشكّل مسار تاريخي موثّق للأزمات، كي لا يتولّد في المستقبل، صراع في الذاكرة حول ما سيدلي به المعنيّون من السياسيين، والمشرّعين، كما الأكاديميين.
أمّا الاهتمام الثاني الذي لفتت المحاضرة الزائرة له، فتمثّل في كيفية تعامل المؤسّسات على تنوّعها ـــــــ مستشفيات ومدارس وغيرها ..ــــــــــ مع الجائحة والأزمة التي خلّفتها.
وتطرّقت دوالت إلى بعض المواضيع الجديدة والمهمّة التي تناولوها في أبحاثهم، منها كيفية تعامل المسنّين مع هذه الجائحة وكيفية حمايتهم من خطرها، وهو أمر مغاير لما كان يحدث سابقًا، كون كبار السن هم من غير الفئات العاملة، إذ كانت الفئات الشابة هي محور الأبحاث والدراسات في فترات الأزمات المماثلة.
وأشارت إلى دور رجال الدين في فرنسا على الرغم من أنّ المجتمع الفرنسي ليس متديّنًا، إلاّ أنّهم لجأوا لرجال الدين كي يحصلوا منهم على المساعدة في حال احتاج الأشخاص تحت الصدمة إلى دعم روحي، فأوجدوا لأوّل مرّة خط ساخن، لتلقّي الاتصالات من الراغبين في الحصول على إرشاد روحي يمكّنهم من التعرّف على سبل التعامل خلال الجائحة التي فرضت التباعد بين الناس.
وبيّنت مديرة ومؤسّسة معهد Covid-19 Ad Memoriam في مداخلتها بعد الحوار والنقاش الذي دار خلال اللقاء، بأنّ هذه الجائحة لم توجد ذات القطع الصدمة في لبنان كما في فرنسا. مرجّحة أن يكون السبب في هذا الفارق مردّه إلى توالي الأزمات، وهذا ما يحتّم علينا مقاربة جائحة كوفيد-19 في الذاكرة الفردية والجماعية التي شكّلتها بطريقة مغايرة عن مقاربتها في فرنسا.
وختمت الدكتورة دوالت النقاش، بالتأكيد على ضرورة إيلاء هذا الأمر أهمية كي نتمكّن من فهم تعدّد وتوالي الأزمات المتلاحقة في لبنان، من الأزمات السياسية المستمرة، والأزمات الاقتصادية، وانفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي الذي تلا. إذ كوّن تسلسل الأزمات في لبنان ذاكرة مختلفة عن الذاكرة التي تكوّنت في البلاد الأخرى، ما شكّل خصوصية في مقاربة هذه الجائحة من منطلقات مغايرة بحسب الأوضاع والظروف القائمة.

الجدير بالذكر، أنّ مشروع “الانتشار الفيروسي والديناميات الاجتماعية” يُنفّذ بالتعاون بين مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية وبين المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، ومعهد البحوث والتنمية الفرنسي، والمؤسّسة الجامعية الفرنسية من خلال الوكالة الوطنية للأبحاث (ANR) National Agency for Research.

في هذا الإطار، أكّدت منسّقة المشروع في مركز الأبحاث في المعهد الدكتورة لبنى طربيه، أنّ هذه الحلقة النقاشية تندرج ضمن هذا المشروع الذي سيستمر لمدّة عام كامل. معتبرة أنّ مشاركة هذه التجربة مع الجامعة اللبنانية، جاء بهدف تسليط الضوء على أهمية حفظ الذاكرة ونقل التجارب للأجيال القادمة لمساعدتهم في مواجهة الآفات المجتمعية. وبالتالي يتاح لطلاّب الدراسات العليا من معهد العلوم الاجتماعية من خلال هذه اللقاءات إمكانية الاستفادة من الخبرات الدولية المتعدّدة.

وأكّد رئيس مركز الأبحاث الأستاذ الدكتور حسين أبو رضا على أهمية هذا التعاون الأكاديمي الهادف إلى دراسة مقارنة بين المجتمع الفرنسي والمجتمع اللبناني، لافتًا إلى ما يوفّره هذا المسار من نقل الخبرات للعلماء في مجال الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا من اللبنانيين والفرنسيين على حد سواء.